تُعدّ المجاعة من أبشع الكوارث الإنسانية التي عرفها التاريخ، فهي لا تقتل الإنسان دفعةً واحدة، بل تفتك به ببطء، عبر الجوع والمرض والحرمان وانهيار الكرامة الإنسانية. ورغم التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل الذي يشهده العالم اليوم، ما زالت ملايين الأسر في بلدان عديدة تعاني من نقص الغذاء، وسوء التغذية، وانعدام أبسط مقومات الحياة، في ظل صمت دولي يثير الكثير من علامات الاستفهام.
مجاعات من صنع الإنسان قبل الطبيعة
ليست المجاعة دائمًا نتيجة الجفاف أو الكوارث الطبيعية، بل في كثير من الأحيان تكون نتاجًا مباشرًا للحروب والصراعات السياسية والحصار الاقتصادي. ففي دول مثل اليمن، والسودان، وأجزاء من القرن الإفريقي، وغزة، تُستخدم المجاعة كسلاح غير معلن، حيث تُغلق المعابر، وتُدمّر البنية التحتية، ويُمنع وصول الغذاء والدواء، فيتحول المدنيون—وخاصة الأطفال—إلى ضحايا لصراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
أطفال يموتون أمام عدسات العالم
المشاهد القادمة من مناطق المجاعة تُظهر أطفالًا بهياكل عظمية، وأمهات عاجزات عن إطعام صغارهن، ومستشفيات تفتقر إلى الغذاء قبل الدواء. هذه الصور لا تُخفى عن العالم، بل تُبث يوميًا عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل، ومع ذلك يبقى التحرك الدولي خجولًا، ومحدودًا، وغالبًا ما يتأخر حتى بعد فوات الأوان.
ازدواجية المعايير الدولية
يثير سكوت العالم عن المجاعات تساؤلات عميقة حول ازدواجية المعايير في التعامل مع الأزمات الإنسانية. ففي حين تُحرّك بعض الكوارث حملات عالمية ضخمة، تُترك مجاعات أخرى طيّ النسيان، وكأن ضحاياها أقل قيمة. وتخضع المساعدات الإنسانية أحيانًا لحسابات سياسية، أو مصالح اقتصادية، أو تحالفات دولية، مما يُفرغ مفهوم “الإنسانية” من معناه الحقيقي.
مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون سياسية
إن مكافحة المجاعة ليست مسألة تبرعات موسمية أو بيانات شجب، بل هي مسؤولية أخلاقية عالمية تتطلب:
وقف الحروب والصراعات التي تُنتج الجوع.
فتح الممرات الإنسانية دون شروط.
محاسبة من يستخدم الغذاء كسلاح.
دعم التنمية الزراعية والاقتصادية في الدول الفقيرة بدل استنزافها.
صرخة في وجه الصمت
يبقى السؤال المؤلم: كم من الأطفال يجب أن يموتوا جوعًا حتى يتحرك العالم بجدية؟
إن السكوت عن المجاعة هو مشاركة غير مباشرة فيها، والتغاضي عن الجوع هو تخلٍّ عن أبسط القيم الإنسانية. فالجوع لا يحتاج إلى مؤتمرات مطوّلة، بل إلى إرادة حقيقية ترى الإنسان إنسانًا، بغضّ النظر عن جنسيته أو دينه أو موقعه الجغرافي.